المحتوى القيّم مفتاح النمو والتغيير

مايو 28, 2023

لا أفهم لماذا يصرّ البعض على تقديم محتوى يحمل من التفاهة ما يمكن أن يضرب بعقولنا عرض الحائط ويهدر من وقتنا الثمين! من منّا لم يستيقظ على منشور كتبه جاهلٌ دخيل على مهنة صناعة المحتوى أو صورة رديئة التقطتها عدسة لا تجيد قراءة المشاهد؟

إننا نعيش في زمن لا يحتمل أن نضيع وقتنا على التفاهات، هو زمن تمت تسميته بعصر السرعة وتدفق المعلومات التي تسبق في تواترها أفضل العدّائين وأكثرهم تحطيماً للأرقام القياسية. وهذا يتطلّب منّا مواكبة دائمة واختبار تجارب من شأنها أن تثري حياتنا على كافة الأصعدة الثقافية والعلمية والترفيهية والمعرفية، وتضمن لنا الاستمتاع بجوهر الحياة وعيش لحظات قيّمة بعيداً عن السخافات والأمور الفارغة التي ألقت بمجتمعاتنا إلى التهلكة بعد أن كنّا مهد الحضارة الإنسانية.

ومع التدفق الهائل للمحتوى الرقمي الذي تتحفنا به المنصات الإلكترونية من كل حدب وصوب، بات من الضروري أن نزيد من وعينا لاختيار ما ينفعنا فقط، وإلّا فاتنا الركب وازدادت الهوة بيننا وبين المجتمعات الأكثر تحضّراً، وهذا يتطلب منا تمييز المحتوى الجيد من الرديء والابتعاد عن التجارب السطحية التي لا ترتقي إلى مستوى ثقافتنا الغنية. ولكن،  ما هو المحتوى القيّم؟

عندما نتحدث عن المحتوى القيّم فإننا نتحدث عن مزيج رائع من الإبداع والجمال والإثارة، عن معلومة مفيدة أو تجربة ترفيهية تليق بنا. إنها فرصة لإلقاء نظرة على قوة الكلمات والأفكار التي يتم تترجم إلى مادة  تثري حياتنا، إلى مساحة ترحل بنا نحو آفاق جديدة، نتخيل فيها مشاهد رائعة وحكايا شيّقة وتجارب ملهمة. نتحدث عن القوة التي  تجعلنا نلامس مشاعر الآخرين، عن المادة الإبداعية التي تلهمهم وتحفزهم للنمو والتطور، عن التجارب التي تؤثّر على حياتهم بطريقة إيجابية وتمنحها قيمةً حقيقيةً بكل المقاييس. 

وعندما نقوم بإنشاء المحتوى القيّم الذي يحمل في طياته أسباب جودته، فإننا نركز على تلبية احتياجات الجمهور. أي أن نفهم تحدياتهم وأهدافهم ونسعى إلى تزويدهم بالمعلومات والأدوات التي يحتاجونها للنجاح.

لا يقتصر المحتوى القيّم على المعلومات بل يتعلّق بالتجارب أيضاً، أي يمكن معه استخدام قصص مشوقة وأمثلة واقعية وأدوات تفاعلية تعزّز من المتعة والإلهام، وتحثّ القراء على العمل والتحرك نحو تحقيق أحلامهم.

ويتميز المحتوى القيّم بالمصداقية والشفافية وتقديم المعلومات والآراء بنزاهة وموضوعية، كما يتميز بالتنوع والتعدد في الشكل والمضمون، حيث يمكن أن يشمل المقالات الإعلامية والمقابلات والمدونات، إضافة إلى الفيديوهات والبودكاست والمواد التفاعلية وغيرها. فكل هذه الأشكال تساعد في تحقيق تفاعل أكبر مع القراء وترك تأثير أعمق على حياتهم.

بالإضافة إلى ذلك، يعتبر المحتوى القيّم أداةً فعالةً لبناء العلاقات وتعزيز الثقة، فعندما يجد القراء أن المحتوى الذي يتلقونه يحمل الكثير من الفائدة والإلهام سيشعرون بالانتماء إلى المجتمع وتتعزز لديهم الثقة بإمكاناته والشعور بالمحبة تجاهه.

ومن جهة أخرى،  يعكس المحتوى القيّم شغف الكاتب بالاستكشاف والتعلم المستمر لتقديم مادة غنية بالأفكار والمعرفة العميقة، ولكن توظيف هذا المحتوى يتطلّب لغةً ملهمةً وجذابة، حيث ينبغي أن ترتدي كتاباتنا لباس التشويق والمتعة،  وأن تعتمد على سرد القصص والأمثلة لدفع القراء للاستمرار في القراءة والتفاعل.

كما يجب أن نتجاوز الحدود المألوفة ونستكشف طرقاً إبداعية جديدة لتقديم المحتوى. يمكننا استخدام الصور والرسوم التوضيحية والفيديوهات المثيرة لإيصال الأفكار بشكل بصري مبتكر. يمكننا أيضاً استخدام التداخلات التفاعلية مثل الاستبيانات والمسابقات لجعل القراء يشعرون بالمشاركة والاندماج في محتوانا.

ولا يمكننا نسيان قوة العاطفة في المحتوى القيّم، إذ  يجب أن نعبر عن العواطف ونوجه رسائل ملهمة تدعو إلى التفاؤل

في النهاية، لا يقتصر المحتوى القيم على إطلاق العنان للأفكار والمعلومات، بل يتعلق أيضاً بتأثيره الإيجابي على القراء وتحفيزهم لاتخاذ إجراءات فعالة، تستعين بقوّة الكلمة كأحد عناصر الإلهام التي تدفعنا إلى التغيير والنمو وتحقيق إمكانياتنا ورسم أهدافنا. نحن نتحدّث عن محتوى يبقى عميقاً في الذاكرة ويترك أثره الإيجابي في الحياة بما يساهم في بناء مجتمع أفضل.